خطة التقسيم التي جاء بها المبعوث الشخصي للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، ليست اجتهاد شخصي منه، بل محاولة استنساخ اتفاقية اسلو السرية 13 سبتمر 1993 ، التي بموجها اعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بوجود الكيان الاسرائيلي كدولة بل التنازلوا له عن أجزاء مهمة من أراضيهم ليقيم عليها دولته المزعومة، مع ضمان عدم قيام انتفاضة أو استعمال العنف الثوري ضد التواجد الاسرائيلي في مقابل قيام دولة فلسطينية وإقامة سلام تام بينهم والكيان، لكن هذا الأخير ظل يماطل لا منح السلام الفلسطينيين ولا توقف الاستيطان، بل سلب مزيد من الأرضي الفلسطينية في مقال اقام الكيان دولته وضمن أمنها من خلال اتفاقيات مع دول الجوار (مصر والاردن ولبنان..) سمحت لإسرائيل بتعزيز امنها والتدخل في سيادة هذه الدول وتقاسم خيراتها في مقابل عدم تدخل هذه الدول ولو في خانة ردة الفعل..
الاتفاقية السرية والتي اعترف “ياسر عرفات ” رحمة الله عليه أنه فخ وقع فيه و أراد التراجع عنه وتصحيحه في السنوات الأخير من حكمه، خلقت انقسام بين الفلسطينيين، من يرون فيها فرصة لانهاء معاناة الفلسطينيين ولو اضطرهم للتنازل عن أجزاء من وطنهم في مقابل ضمانات أمريكية و ابريطانية _ لم يتم الافاء بها لاحقا_ بينما يراها الآخرون خيانة لدماء الشهداء و بداية النهاية إذ ستفتح الباب أمام مزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني في مقابل تقوي الإحتلال وهو ما حدث بالفعل، هذا الواقع أدى الى انقسام فلسطيني لا يزال يدفع الفلسطينون ثمنه اليوم بمعية ثمن اتفاقيات السلام المتلاحقة التي سلبتهم الفعل وجعلت من السلطة الفلسطينية اداة تخدم اجندات الإحتلال وتلاحق الثوار وتطارهم وتسلمهم للعدو… فلم يحصل الفلسطينين لا على أمنهم ولا على وطن مجتزء ولم يحتفظوا بوحدتهم و حقهم الكلي في وطنهم ب48 هذه هي نتيجة التنزال للعدو عن ركن من فناء بيتك.
بالعودة لمقترح ديمستورا، السؤال الذي يطرح نفسه لماذا هذا التوقيت بالذات ؟! لماذا يطرح هذا المقترح في هذه الظرفية؟! ، إذا كان المغرب يسوق على المستويين الرسمي و الشعبي بأنه حسم الأمر بقوة “أمر الواقع ” و أن الصحراويون يبايعونه حتى الذين في مخيمات العزة والكرامة يستدعي بعضا منهم إلى جنيف أمام اللجنة الرابعة لحقوق الإنسان لدعم روايته و البعض يستخدمه لرفع قضايا ضد أعلى شخصية في سلطة الحركة والدولة الصحراوية وآخرون يحاولون إقامة كيان مشوه يوازي البوليساريو و أن دول إفريقيا تعترف له بالسيادة على أرض الصحراء الغربية و أمريكا و إسبانيا المستعمر السابق للصحراء الغربية كل هؤلاء يعترفون له بالسيادة والصحراوين في الأراضي المحتلة يعترفون له بالسيادة و يحجون للشوارع تأييدا له و يستقبلون الوفود و يشاركون فيها، إذا كانت كل هذه الانتصارات حقيقية فلماذا التنازل عن جزء من كل انت تأكد انك تملكه وتبسط سيادتك عليه بشكل قانوني وواقعي، في خضم ذروة النصر التي تسوقها الرباط عبر خارجتها على لسان بوريطة؟!!!
الإجابة على هذا السؤال تبدأ من كون المغرب يعلم يقينا أن الصحراويون جملة يرفضون تواجده حتى الذين يشاركونه مسرحياته و يتخذ منهم برلمانيين يعلم أنهم يتبعون مصالح اقتصادية آنية ليس إلا،وكل المسرحيات ومحاولات استنساخ كيانات مشوهة ولدت ميتة تماما مثل مقترح ما يسمى الحكم الذاتي.
أحداث ما قبل صدور هذا المقترح، إذ صدر الحكم النهائي لمحكمة العدل الأوروبية القاضي بإنهاء اتفاقية الصيد البحري و التجارة بين مملكة الإحتلال المغربي و الإتحاد الأوروبي، هذا الحكم لا يضيق الخناق على الاحتلال في الجانب الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات الثروات المنهوبة في تمويل الحرب و الرفع من مستوى الناتج الداخلي الخام و تمويل خططها و شراء دمم دول عبر منح شركاتها وممستثمريها امتيازات في الأراضي المحتلة من الصحراء الغربية، بل هو يعيد السيادة لصاحبها الحقيقي “الشعب الصحراوي ” وهذا مربط الفرص؛ القضية قضية سيادة والحرب الأساسية هي على من يملك حق السيادة على هذه الأرض، وجاء حكم محكمة العدل الأوروبية ليؤكد حكم محكمة لاهاي بأن السيادة تعود للشعب الصحراوي حصرا، وبهذا يكون كل ما قام به اللوبي المغربي في اوروبا وفي أفريقيا وفي ردهات الغرف المغلقة الغربية ضرب به عرض الحائط كأن شيء لم يكن!!
كما أنها تشكل حجر أساس لمزيد من القضايا القانونية التي قد تلاحق مؤسسات و شركات أوروبية صديقة للاحتلال مما يزيد من تضييق الخناق عليه وتكريس السيادة للشعب الصحراوي على كامل أراضيه.
الأمر الآخر والذي لا يقل أهمية هو استمرار حرب الاستنزاف والتي لا تكلف المغرب خسائر بشرية ومادية وحسب، فهذه الحرب تثقل كاهل الاقتصاد المغربي في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، و ارتفاع تكلفة حرب المستمرة منذ أربع سنوات خاصة في ظل قرار محكمة عدل الأوروبية.
المتتبع للحرب خاصة في 2024 يشاهد تراجع أداء الجيش المغربي خاصة سلاح الجو، والسبب يعود إلى انشغال الضباط وفرق الهندسة الص.هاين.ه بالحرب في غزة ولبنان بعدما كان يعتمد عليهم المغرب بشكل شبه كلي في حربه التكنولوجية ضد الشعب الصحراوي الأعزل.. في مقابل استمرار الجيش الشعبي الصحراوي مواصلة حربه الاستنزافية و انتقاء أهدافه بدقة بأقل تكلفة ممكنة.
أعتقد أننا كثوار ضحينا بالآلاف الشهداء على رأسهم مفجر ثورة عشرين ماي و بآلاف الأسرى والمعتقلين والمختفين قسرا لا يجب أن نناقش امكانية قبول أو رفض هكذا مقترح يستحيل، بل علينا تحليل وتمحيص ابعاده و الأسباب الدافعة بالاحتلال ومن خلفه فرنسا و أمريكا إلى تقديم مقترح كهذا وفي ظرفية وطنية و اقليمية ودولية مثل الذي نعيشه اليوم!
أما بخصوص التنازل عن جزء من الكل، من يستصيغ هذه الفكرة اما لا يعي ما يقول أو يجهل ما يتبناه لقصر فهم منه .. فمن يتنازل مرة سيتنازل في كل مرة ، ومن يسمح في جزء من وطنه هو لا يستحقه ولا يستأمن على حقوق الأجيال القادمة و خان أمانة الشهداء وسمح في دماهم التي سقت وادي الساقية و الكلتة و وديان السمارة وبوحدورالمحتلة وغيرها من المناطق التي ينص المقترح على ضمها دولة الاحتلال.
ولا مجال للحديث بأنه ولو قبل مشروع التقسيم والتنازل عن السيادة للاحتلال فلا ضمان لتنفيذه مثل مشروع الاستفتاء الذي ظل الصحرايون ينتظرونه 30 سنة!! المشروع مصيره الرفض وعلى الجميع اشهار ذلك في سره وعلانيته ولا يقبل اختبارات جس نبض الوحدة الجامعة الفعلية و مدى تمسكنا بأسمى مطلب وهو حق السيادة و استقلال كل وكل الأراضي الصحراوية عهدا ووعدا لمن سبقونا مقبلين غير مدبرين.
أنة محمدالسالك أحبيبي _ مدينة بوجدور المحتلة في 2024/10/22