اخر الاخبار
الأثنين. مارس 10th, 2025

قراءة في واقع النخب الثورية الصحراوية..

فبراير 1, 2025

رغم الصدمة الاستعمارية، ومعها ظاهرة الازدواجية السياسية والاغتراب،( حالة اللجؤ ) عرفت مرحلة الاستعمار الاسباني للصحراء الغربية بروز العديد من النخب، هذا إضافة إلى النخب التي كانت قائمة قبل مجيئه. وقد أدت هذه النخب أدواراً عديدة في مقاومة سياسة المستعمر وممارساته، ولا سيَّما أن الإدارة الاستعمارية كانت تمثل بالنسبة إلى فئات واسعة من الشعب الصحراوي رمزاً للعنف والغطرسة، الأمر الذي دفعها إلى الكفاح والمقاومة. فقد تعدّدت النخب السياسية والثقافية التي ساهمت في بناء ثقافة المقاومة والكفاح والرفض للنسق الاستعماري. وهكذا استطاع المجتمع الصحراوي أن يعيد بناء أطر هويته السياسية والثقافية والاجتماعية بواسطة استراتيجية محددة في المقاومة و الكفاح، وهي إستراتيجية تراوحت توجهاتها وتشعباتها بين بناء الانسان الصحراوي والتأثيث للدولة الصحراوية ومواصلة الثورة، وذلك خارج دائرة الفضاء السياسي والثقافي لدولتي المستعمر الاسباني والمحتل المغربي. وعلى العموم، تميّزت فترة الاحتلال المغربي بتنوّع وغنى في إنتاج النخب رغم ظروف اللجؤ القاسية، وهي النخب التي أفضى نشاطها إلى بروز حركة التحرر الوطني الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب في ال 10 ماي 1973. ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الصحراوي.

تميّزت الفترة أو المرحلة الثانية من عملية إنتاج وتشكّل النخب في الثورة الصحراوية، وهي فترة تهيئة الظروف لمرحلة استكمال البناء الموسساتي بدءا من ال 27 فبراير 1976
فقد شهدت تلك المرحلة تبلور حركة فعالة لتشكل النخب، وهي حركة عكست التوجهات السياسية والفكرية والأيديولوجية المختلفة للمجتمع الصحراوي، وهو الوضع الذي كان يبشر بحركية هائلة ومتميّزة لهذه النخب لفترة معينة، إلا أن ذلك مسه عطب.

فرغم الدور المهم الذي ادته النخب الثورية والذي لا يستهان به، لكن ثقرات نخبوية تعاب على فاعليها دفعب هذا الوضع إلى بروز مفارقة واضحة بين النصوص التي شدّدت على الاصلاح المؤسساتي، وواقع الفعل، حيث لم تتم ترجمة تلك النصوص إلى عمل يعكس التطور الفعلي عن طريق فسح المجال أمام نشاط نخب سياسية واجتماعية وثقافية قادرة.

لقد عجزت هذه النخبة عن أن تبلور مشروعاً مجتمعياً حديثاً لبناء الدولة الحديثة التي تقوم على فصل السلطات، وإرساء بنية سياسية ديمقراطية تتجاوز انقسامات المجتمع التقليدي، الفئوية منها والجهوية.

يحسن بنا التذكير، ونحن بصدد الحديث عن واقع النخب في الثورة الصحراوية التي تتسم بثنائية البناء نحو التحرير وإن كان بلمسة غير متجانسة في بنية هذه النخب . إن هشاشة النخب الرسمية، وعدم قدرتها على الامتداد الحقيقي داخل المجتمع دفع بالعديد من النخب والفئات الاجتماعية إلى تنظيم نفسها خارج دائرة الفضاء السياسي ( التنظيم السياسي ) الذي تتحكّم فيه الجبهة الشعبية، والقصد هنا النخب المتقاعسة عن المعالجات للواقع الصادم ان صح التعبير.

من المفارقات المهمة التي يمكن تثبيتها من خلال التعرّض لواقع النخب في الثورة الصحراوية ، أن السنوات الاخيرة افرزت وضعا غير عادي مَيَّزَ نشاط النخب الصحراوية، أي أن المؤسسات الوطنية لم تتوقف عن العمل، لكن عملها خارج إطار الفضاء السياسي وأهداف الثورة في ظل تلاطمات الخطاب والقوانين الرسمية التي تشرف عليها الجبهة

لطالما كانت النخب عبر العديد من المجتمعات قائدة الرأي العام والمؤثرة فيه، وهي التي تشكّل اتجاهات هذا الرأي، وكذا توجهات المجتمع، إذ من المتعارف عليه أن من بين الشروط الضرورية لإقامة مؤسسات دولة مستقرة، هو الاهتمام بصياغة علاقة توافقية بين النخب المختلفة والثورة . فبقدر ما يحدث هناك تجانس في هذه العلاقة، يساهم ذلك في الحفاظ على الهدوء الاجتماعي والتطور السياسي وتوفير الأمن، وكذا فسح الفرص لكل أفراد المجتمع لتطوير إمكاناتهم البشرية بشكل كامل، في ظل وتيرة سلسة في التغيير بمفهومه الشامل.

لقد ساهم إخفاق النخب في الثورة الصحراوية إلى اتساع الهوة بين المجتمع والثورة قبل الدولة، وانحسار فضاء الممارسة الاجتماعية، وبالتالي بروز ملامح القطيعة بين المجتمع و اهداف الثورة، التي أدت إلى حالة من الانكفاء على الذات أو ما يسمّيه علماء السوسيولوجيا «العزوف» لدى الكثير من أفراد المجتمع الصحراوي. وتجلى ذلك العزوف من خلال غياب الثقة بالعمل السياسي، وفقدان الأمل بصلاح النخب الحاكمة والعامة. واقترن هذا العزوف الذي يشبه فراغ في المؤسسات الوطنية تجسّد في ازدواجية سلوك الفرد الصحراوي، وما ترتب عليه من كسل فكري، وافتقار إلى مقوّم الحس الوطني لدى الكثيرين.

يمكن القول إن الثورة الوطنية الصحراوية، كغيرها من ثورات التحرر، التي تردّدت في حسم التوافق المجتمعي حول الرؤية للأنا وللعالم، تقدم أنموذجاً واضحاً للتحول عن الغرامشية التقليدية المتمركزة حول الدولة، وحتمية الهيمنة النخبوية، إلى النيوغرامشية التي تأخذ بعين الاعتبار تدفق الولاءات النخبوية عبر الحدود، واستعصاء بناء التوافقات في ظل تراجع خطاب الهيمنة النخبوي لصالح صدام مزمن للخطابات النخبوية. يفسر ذلك، إلى حدّ ما، لماذا لم تؤسس بعد، بشكل فعلي وجدّي، لمجتمع تقوده نخب عصرية، مجتمع يقوم على فلسفة وقواعد المواطنة وان كان بعضها لازال بدوي، مجتمع يقوم هلى مفهوم الوحدة الوطنية ويطمح لتحرير وطنه، وفي الوقت نفسه إخضاع هذه الوحدة لقواعد تحظى باتفاق، ولو نسبي، من بين النخب المتنافسة في المجتمع، بما يحدد دورها ومكانتها في إطار النسق العام الذي تتحدد في إطاره أساليب الارتقاء والتحول الاجتماعي؟

في ضوء ما تقدم، نتوجه بإثارة إشكالية إخفاق النخب الصحراوية، وسبل تفعيلها، بما يساهم في بلورة توجه وطني توافقي لمواجهة التحديات المتنامية التي تواجه قضية الشعب الصحراوي على مختلف الصعد ومخاطر التشويش على مسار كفاحه..

مزيد من الاخبار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *