المثقف هو من يملك رؤية نقدية للمجتمع، عكس المتخصص في علم من العلوم الذي ينشغل أساساً بفهم الظواهر ضمن مجال تخصصه، وهدفه الوصف، والتفسير، والتنبؤ، والتحكم بتلك الظواهر، وحل المشكلات النظرية والتطبيقية المتعلقة بما نذر نفسه له.
إن ما يميزه المثقف عن المتخصص هو امتلاكه لرؤية نقدية لمجتمعه، وللعصر الذي يعيش فيه، وهذه الرؤية تعني أنه يرى ما يجري وما هو كائن بوضوح، ويرى ما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن تؤول إليه الأمور.
المثقف لا يكتفي بوصف الواقع، بل إنه يسعى إلى فهم جذوره، وتفكيك بناه، وتشخيص علله، وطرح الحلول والبدائل الممكن لتجاوزه، إنه لا يقبل الأشياء كما هي، بل إنه يتعامل معها بوصفها ظواهر قادرة للنقد، وقادرة للتغيير.
الرؤية النقدية لا تعني الرفض المطلق، بل تعني الحفر في الأعماق، وتحليل ما يؤخذ عادة على أنه من البديهيات والمسلمات، صاحب الرؤية النقدية يرى في الخطاب العام سلطة، وفي المناهج المدرسية أدوات ترويض للصغار، ويرى في الإعلام أداة لتشكيل الوعي الجمعي، وقد يرى فيما هو يومي وعابر شيئاً استراتيجياً ومؤثراً.
إن المثقف لا يتكلم بلسان سلطة ولا جماعة، بل إنه يحاول أن يرى ما لا يراد له أن يراه، ولهذا فإن رؤيته النقدية تكون في نظر بعضهم مصدر خطر واضطراب، لأنها تُزعج وتُقلق.
إن خصوصية المثقف لا تصنع من قبل الشهادات التي حصل عليها، ولا الخبرات التي يحملها، وإنما من قدرته على المسألة، وكشف الأقنعة، والانحياز إلى الحق، والمصلحة العامة، هذه الرؤية التي تجعله مختلفاً عن غيره، وهي التي تمنحه درجة إضافية على ما يحوز عليه المتخصص.
إذا كان المتخصص أشبه بالصيدلاني فإن المثقف أشبه بالطبيب، ولكلٍ فضله ودوره.